أخبار ثقافيةأنشطة ثقافيةالجهات

حيدرة التاريخ والحضارة

يقع الموقع الأثري بحيدرة المعروف بأميدرة في العصر القديم على بعد حوالي 250 كم من قرطاج ويعتبر أحد أكبر المواقع الأثرية في تونس إذ يمسح حوالي 250 هكتار باعتبار الأماكن المخصصة للمقابر التي تحتوي على عدة أضرحة. أميدرة الرومانية تأسست المدينة في القرن الأول ميلادي لتتمركز بها الجيوش الرومانية المعروفة بالفيلق الثالث إلى حد سنة 75 م في نطاق سياسة روما لمواصلة توسعها بالمناطق الداخلية للبلاد. وتقتصر الأدلة الأثرية لهذه الفترة خاصة على شواهد قبور من بينها عدد هام ينسب إلى عناصر من الجيش الروماني. ارتقت أميدرة إلى منزلة مستعمرة رومانية خلال فترة حكم “الأباطرة الفلافيين” (96-69م) حيث عرفت ازدهارا اقتصاديا واجتماعيا ونهضة عمرانية هامة.
ومن أهم عوامل هذه النقلة النوعية وجود أميدرة بموقع استراتيجي متميز يربطها بعدة مناطق من مقاطعة إفريقيا الرومانية مثل الطريق الرابطة بين قرطاج وتبسة (تفاست بالجزائر) والتي تشق الموقع مرورا تحت قوس النصر المهدي إلى الإمبراطور الإفريقي الأصل “سبتيم سيفاروس”. ومن أهم المعالم البارزة حاليا والتي ترجع إلى تلك الفترة الرومانية نذكر: المسرح :
الذي احتفظ بجزء من الركح والمدارج والأروقة المقببة الخاصة بدخول المتفرجين. المعالم ذات الأحواض : عددها خسمة وتتمثل وضيفتها على ما يبدو في استخلاص الضرائب العينية أو توزيع المواد الغذائية لفائدة بعض السكان.
حي الفوروم : يعتبر هذا الحي مركز كل مدينة رومانية ونجد به المعبد الكبير (الكابيتول) والذي لم يتبقى منه إلا عمود من جملة ستة أعمدة كانت موجودة بجانب وأمام الغرفة المخصصة لتماثيل الآلهة.
كما نجد بجوار المعلم المذكور مبنى مربع الشكل كان مخصصا لسوق المدينة ويحتوي على عدة دكاكين مفتوحة على ساحة كبرى أما المعلم المتواجد على حافة الطريق المعبدة والمواجه للمعبد فهو متكون من جدار به عدة نوافذ يرجح أنه كان مخصصا للشؤون التجارية والمالية والقضائية. يقع الحمام العمومي قرب الكابيتول وبالإمكان حاليا اكتشاف عدد من مكوناته مثل القاعدة المخصصة لترك الأمتعة وتغيير الملابس، القاعات الباردة، عدد من الاحواض أو الفضاء الساخن أما المواقد التي تستعمل لتوفير التدفئة والماء الساخن فهي متواجدة في الطابق التحت الأرضي للمعلم. أميدرة المسيحية الوندالية والبيزنطية ترجع الأدلة الأولى لحضور مسيحي بالمدينة إلى منتصف القرن الثالث ميلادي يحث تذكر المصادر أن أسقف كنيسة أميدرة حضر المؤتمر الديني المنعقد بقرطاج سنة 256م والذي جمع حوالي 80 رجل دين تحت إشراف القديس الكبير “سان سيبريانوس”.
ثم عاشت كنيسة أميدرة كسائر كنائس المدن الإفريقية بداية من القرن الرابع ميلادي حالة انشقاق دامت أكثر من قرن بسب ظهور ما يعرف بالحركة الدوناتية. أما بداية من سنة 439م أصبحت أميدرة جزءا من المملكة الوندالية كسائر مدن المقاطعة ولم تترك لنا هذه الفترة أدلة أثرية كبرى ما عدى بعض النقائش. انتهت هذه الحقبة في سنة 533م حيث أمر الإمبراطور “جوستينيانوس” بتشديد حصن بأميدرة يعد أحد أهم المعالم الدفاعية البيزنطية بالبلاد التونسية. وتزخر هذه الفترة المسيحية بمخزون أثري مهم حيث تركت لنا عدة شواهد من أبرزها معالم دينية والحصن البيزنطي وعدد هام من النصوص المنقوشة على الحجارة. وتوزعت المعالم الدينية على الكثير من أحياء المدينة لعل أهمها الكنيسة المعروفة بإسم “كنديدوس” والتي شيّدت قربت قوس النصر وتم إهدائها إلى ضحايا الإضطهاد الذي عاشته أميدرة مثل معضم مدن المقاطعة تحت حكم الإمبراطور “ديوكليسيانوس” في أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع ميلادي. أما الكنيسة الوندالية فهي موجودة حذو المعلم الكبير ذو الأحواض، كما تتمركز الكاتدرائية أي أهم معلم ديني لكل مدينة بجانب الكابيتول ومن أهم خصوصياتها أن أرضيتها متكونة من شواهد قبور تعود إلى القرن الخامس والسادس ميلادي. الحصن البيزنطي : مساحة هذه المعلم البيزنطي تفوق الهكتارين وكانت تشقه من الشرق إلى الغرب الطريق القديمة الرابطة بين قرطاج ومدينة تبسة مرورا بحيدة. ويوجد به حاليا كنيستان وعدة خزانات ماء وخاصة بين صلاة ترجع إلى الفترة الإسلامية الأولى. أميدرة في العصر الوسيط : ترجع بداية الفتوحات الإسلامية لإفريقية كما هو معروف إلى سنة 647م والتي توجهت إلى سفيطلة “سبيطلة حاليا” وشملت بطبيعة الحال أميدرة والمذكورة في بعض المصادر العربية “ميدرة” عندما تطرقت إلى المعارك التي عاشتها المنطقة بين الأغالبة الفاطميين في القرن العاشر ميلادي ونذكر على سبيل المثال هذه النص للقاضي النعمان: “وخرج أبو عبد الله بنفسه في احتفال من العساكر، فوصل إلى باغية، وسار حتى آتى مسكيانة ثم مال إلى تبسا، وخرج منها فأتى ميدرة، وهي حصن حصين… وأغلق أهل مديرة أبوابهم ووقفوا على السور فأحاط بهم العساكر من كل جانب يسألون الأمان…
وارتحل أبو عبد الله من ميدرة فنزل على القصرين..” أما الأدلة الأثرية لهذه الفترة فتقتصر على قاعة صلاة وشضايا من الفخار المطلي ذو زخارف مختلفة.
متحف الموقع : يقع المتحف الحالي بالمبنى المعروف بالبرج والذي تم تشييده سنة 1886 ليكون مكتبا حدوديا من الجارة الجزائر. تبلغ مساحته 176 متر مربع وهو متكون من قاعتي عرض نجد داخلهما المجموعة الأثرية المؤرخة بالفترات الرومانية والبيزنطية والإسلامية والمتضمنة لقطع تتوزع كالآتي :
– 12 نقيشـة جزائرية وثنية ومسيحية منها ثلاث لوحات فسيفساء جزائرية والبقية منقوشة على الحجارة الكلسيـة
–نصب نحت عليه رجل وامرأة -تمثال جنـائزي كـبير من الـرخـام لــ “إينولا كـــرابـريـا” –مـزمـار مـن الـعظام الحــيـوانـيـــة –مصوغ من البرنز –آنية لحفظ السوائل –وحي حبوب مع مكوناتها –ثلاث نوافذ وإفريز –لوحة فسيفسائية ذات مشاهد ميثيولوجية تجسد أوليس وعرائس البحر –تمثال صغير من الرخام للآلهة فينوس –إبريقين –لوحة تجد جدول للتقويم الزمني حسن أشهر السنة، يعتمد لتحديد أوقات الصلاة اليومية –نقيشة تخلد إنشاء جسر على وادي الناقص من طرف جيوش الفيلق الثالث سنة 123 ميلادي –علامة ميلية وجدت على حافة الطريق الرومانية الرابطة بين أميدرة وتفاست -تمثال من الرخام لمصارح حيوانات وحشية –إضافة إلى صورة فوتوغرافية لفسيفساء إميدرة الشهيرة التي تجد بها جزر ومدن حوض المتوسط الشرقي كما نجد مجسما لكنيسة الشهداء أو “كنديدوس”.
النص : فتحي بجاوي ترجمة فتحي بجاوي مدير بحوث ووجيه فضلاوي محافظ تراثيقع الموقع الأثري بحيدرة المعروفى بأميدرة في العصر القديم على بعد حوالي 250 كم من قرطاج ويعتبر أحد أحبر المواقع الأثرية في تونس إذ يمسح حوالي 250 هكتار باعتبار الأماكن المخصصة للمقابر التي تحتوي على عدة أضرحة. أميدرة الرومانية تأسست المدينة في القرن الأول ميلادي لتتمركز بها الجيوش الرومانية المعروفة بالفيلق الثالث إلى حد سنة 75 م في نطاق سياسة روما لمواصلة توسعها بالمناطق الداخلية للبلاد.
وتقتصر الأدلة الأثرية لهذه الفترة خاصة على شواهد قبور من بينها عدد هام ينسب إلى عناصر من الجيش الروماني. ارتقت أميدرة إلى منزلة مستعمرة رومانية خلال فترة حكم “الأباطرة الفلافيين” (96-69م) حيث عرفت ازدهارا اقتصاديا واجتماعيا ونهضة عمرانية هامة. ومن أهم عوامل هذه النقلة النوعية وجود أميدرة بموقع استراتيجي متميز يربطها بعدة مناطق من مقاطعة إفريقيا الرومانية مثل الطريق الرابطة بين قرطاج وتبسة (تفاست بالجزائر) والتي تشق الموقع مرورا تحت قوس النصر المهدي إلى الإمبراطور الإفريقي الأصل “سبتيم سيفاروس”.
ومن أهم المعالم البارزة حاليا والتي ترجع إلى تلك الفترة الرومانية نذكر: المسرح : الذي احتفظ بجزء من الركح والمدارج والأروقة المقببة الخاصة بدخول المتفرجين. المعالم ذات الأحواض : عددها خسمة وتتمثل وضيفتها على ما يبدو في استخلاص الضرائب العينية أو توزيع المواد الغذائية لفائدة بعض السكان. حي الفوروم : يعتبر هذا الحي مركز كل مدينة رومانية ونجد به المعبد الكبير (الكابيتول) والذي لم يتبقى منه إلا عمود من جملة ستة أعمدة كانت موجودة بجانب وأمام الغرفة المخصصة لتماثيل الآلهة. كما نجد بجوار المعلم المذكور مبنى مربع الشكل كان مخصصا لسوق المدينة ويحتوي على عدة دكاكين مفتوحة على ساحة كبرى أما المعلم المتواجد على حافة الطريق المعبدة والمواجه للمعبد فهو متكون من جدار به عدة نوافذ يرجح أنه كان مخصصا للشؤون التجارية والمالية والقضائية.
يقع الحمام العمومي قرب الكابيتول وبالإمكان حاليا اكتشاف عدد من مكوناته مثل القاعدة المخصصة لترك الأمتعة وتغيير الملابس، القاعات الباردة، عدد من الاحواض أو الفضاء الساخن أما المواقد التي تستعمل لتوفير التدفئة والماء الساخن فهي متواجدة في الطابق التحت الأرضي للمعلم. أميدرة المسيحية الوندالية والبيزنطية ترجع الأدلة الأولى لحضور مسيحي بالمدينة إلى منتصف القرن الثالث ميلادي يحث تذكر المصادر أن أسقف كنيسة أميدرة حضر المؤتمر الديني المنعقد بقرطاج سنة 256م والذي جمع حوالي 80 رجل دين تحت إشراف القديس الكبير “سان سيبريانوس”. ثم عاشت كنيسة أميدرة كسائر كنائس المدن الإفريقية بداية من القرن الرابع ميلادي حالة انشقاق دامت أكثر من قرن بسب ظهور ما يعرف بالحركة الدوناتية. أما بداية من سنة 439م أصبحت أميدرة جزءا من المملكة الوندالية كسائر مدن المقاطعة ولم تترك لنا هذه الفترة أدلة أثرية كبرى ما عدى بعض النقائش. انتهت هذه الحقبة في سنة 533م حيث أمر الإمبراطور “جوستينيانوس” بتشديد حصن بأميدرة يعد أحد أهم المعالم الدفاعية البيزنطية بالبلاد التونسية.
وتزخر هذه الفترة المسيحية بمخزون أثري مهم حيث تركت لنا عدة شواهد من أبرزها معالم دينية والحصن البيزنطي وعدد هام من النصوص المنقوشة على الحجارة. وتوزعت المعالم الدينية على الكثير من أحياء المدينة لعل أهمها الكنيسة المعروفة بإسم “كنديدوس” والتي شيّدت قربت قوس النصر وتم إهدائها إلى ضحايا الإضطهاد الذي عاشته أميدرة مثل معضم مدن المقاطعة تحت حكم الإمبراطور “ديوكليسيانوس” في أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع ميلادي. أما الكنيسة الوندالية فهي موجودة حذو المعلم الكبير ذو الأحواض، كما تتمركز الكاتدرائية أي أهم معلم ديني لكل مدينة بجانب الكابيتول ومن أهم خصوصياتها أن أرضيتها متكونة من شواهد قبور تعود إلى القرن الخامس والسادس ميلادي.
الحصن البيزنطي : مساحة هذه المعلم البيزنطي تفوق الهكتارين وكانت تشقه من الشرق إلى الغرب الطريق القديمة الرابطة بين قرطاج ومدينة تبسة مرورا بحيدة. ويوجد به حاليا كنيستان وعدة خزانات ماء وخاصة بين صلاة ترجع إلى الفترة الإسلامية الأولى. أميدرة في العصر الوسيط : ترجع بداية الفتوحات الإسلامية لإفريقية كما هو معروف إلى سنة 647م والتي توجهت إلى سفيطلة “سبيطلة حاليا” وشملت بطبيعة الحال أميدرة والمذكورة في بعض المصادر العربية “ميدرة” عندما تطرقت إلى المعارك التي عاشتها المنطقة بين الأغالبة الفاطميين في القرن العاشر ميلادي ونذكر على سبيل المثال هذه النص للقاضي النعمان: “وخرج أبو عبد الله بنفسه في احتفال من العساكر، فوصل إلى باغية، وسار حتى آتى مسكيانة ثم مال إلى تبسا، وخرج منها فأتى ميدرة، وهي حصن حصين… وأغلق أهل مديرة أبوابهم ووقفوا على السور فأحاط بهم العساكر من كل جانب يسألون الأمان… وارتحل أبو عبد الله من ميدرة فنزل على القصرين..” أما الأدلة الأثرية لهذه الفترة فتقتصر على قاعة صلاة وشضايا من الفخار المطلي ذو زخارف مختلفة. متحف الموقع : يقع المتحف الحالي بالمبنى المعروف بالبرج والذي تم تشييده سنة 1886 ليكون مكتبا حدوديا من الجارة الجزائر. تبلغ مساحته 176 متر مربع وهو متكون من قاعتي عرض نجد داخلهما المجموعة الأثرية المؤرخة بالفترات الرومانية والبيزنطية والإسلامية والمتضمنة لقطع تتوزع كالآتي :
– 12 نقيشـة جزائرية وثنية ومسيحية منها ثلاث لوحات فسيفساء جزائرية والبقية منقوشة على الحجارة الكلسيـة –نصب نحت عليه رجل وامرأة -تمثال جنـائزي كـبير من الـرخـام لــ “إينولا كـــرابـريـا” –مـزمـار مـن الـعظام الحــيـوانـيـــة –مصوغ من البرنز –آنية لحفظ السوائل –وحي حبوب مع مكوناتها –ثلاث نوافذ وإفريز –لوحة فسيفسائية ذات مشاهد ميثيولوجية تجسد أوليس وعرائس البحر –تمثال صغير من الرخام للآلهة فينوس –إبريقين –لوحة تجد جدول للتقويم الزمني حسن أشهر السنة، يعتمد لتحديد أوقات الصلاة اليومية –نقيشة تخلد إنشاء جسر على وادي الناقص من طرف جيوش الفيلق الثالث سنة 123 ميلادي –علامة ميلية وجدت على حافة الطريق الرومانية الرابطة بين أميدرة وتفاست -تمثال من الرخام لمصارح حيوانات وحشية –إضافة إلى صورة فوتوغرافية لفسيفساء إميدرة الشهيرة التي تجد بها جزر ومدن حوض المتوسط الشرقي كما نجد مجسما لكنيسة الشهداء أو “كنديدوس”.
النص : فتحي بجاوي ترجمة فتحي بجاوي مدير بحوث ووجيه فضلاوي محافظ تراث

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى